"أرضي الصغيرة"- معاناة لاجئين كرد في السينما اليابانية

المؤلف: هاني بشر08.10.2025
"أرضي الصغيرة"- معاناة لاجئين كرد في السينما اليابانية

في فيلم "أرضي الصغيرة"، تتجسد مأساة عائلة كردية في اليابان، حيث تنهمر دموع طفلة صغيرة وهي تتطلع إلى والدها المحتجز خلف حاجز زجاجي في مركز الهجرة. اعتقُل الأب لقيامه بالعمل دون تصريح قانوني، وذلك بعد رفض طلب اللجوء الذي تقدمت به العائلة. تجد "ساريا"، الأخت الكبرى، نفسها في موقف عصيب، تحاول فيه أداء دور الأم الراحلة، وتوفير الدعم لأختها وشقيقها الأصغر في ظلِّ غياب الأب. وفي الوقت نفسه، تعمل كمترجمة لأفراد من الجالية الكردية في اليابان الذين يفتقرون إلى إتقان اللغة اليابانية. الفيلم من إخراج إيما كاواوادا، مخرجة يابانية ذات أصول بريطانية، ومن بطولة الممثلة اليابانية متعددة الأعراق لينا أراشي، التي تمتد جذورها إلى إيران وألمانيا والعراق وروسيا.

يمتد التعاون السينمائي العربي الياباني لعقود طويلة. ففي عام 1963، شهدت الشاشة الفضية إنتاج الفيلم المصري الياباني "جريمة على ضفاف النيل"، الذي جمع كوكبة من النجوم مثل شادية وكمال الشناوي وحسن يوسف ومحمود المليجي. تدور أحداث الفيلم حول رجل أعمال ياباني يجد نفسه متهمًا بالتورط في عصابة دولية، ويلتقي بالمطربة الشعبية التي تجسد دورها "شادية".

حصد فيلم "أرضي الصغيرة" جائزة منظمة العفو الدولية في مهرجان برلين السينمائي الدولي لعام 2022، ويُعَدُّ محاولةً من المخرجين الشباب ذوي الأصول المتعددة في اليابان لتسليط الضوء على جوانب من المعاناة الإنسانية التي غالبًا ما تتوارى خلف بريق الصورة النمطية عن اليابان. هذه المعاناة تتجلى في حياة اللاجئين، وخاصة أفراد الجالية الكردية التي لا تتجاوز الألفي شخص في اليابان. اختارت المخرجة أن يكون فيلمها بمثابة نافذة على قضاياهم وقضايا اللاجئين الآخرين في البلاد. مما ساعد على ذلك خلفية المخرجة والممثلة لينا أراشي المختلطة، التي حفزتهما على الانخراط في مجتمعات الجاليات الأجنبية في اليابان واستكشاف تفاصيل حياتهم وقصصهم.

صورة من أحد مشاهد الفيلم الياباني "أرضي الصغيرة" (مواقع التواصل الاجتماعي)

يعتبر الفيلم مثالًا جليًا على تفاعل السينما اليابانية مع قضايا أجنبية تتقاطع مع اهتمامات العالم العربي. وهو ليس العمل الأول من نوعه، فقد سبقته تجارب أخرى، مثل الفيلم الياباني "أسطورة في الرمال"، الذي صُوِّرَت معظم مشاهده في مصر، وتحديدًا في الواحات البحرية عام 2005، ويتناول قصة رجل ياباني يبحث عن صديقته المخطوفة، وتقوده خيوط البحث إلى الأراضي المصرية. من الجدير بالذكر مشاركة الممثلة المصرية رولا محمود في أفلام يابانية، والتي كان من الممكن أن تكون بداية واعدة في إطار التعاون السينمائي العربي الياباني، إلا أن الممثلة رولا اختفت في ظروف غامضة في بريطانيا قبل نحو عامين بعد انتشار أخبار عن إصابتها بفيروس كورونا، وما زالت قضية اختفائها تثير اهتمام وسائل الإعلام.

التعاون السينمائي العربي الياباني له جذور ضاربة في القدم، ففي عام 1963، أُنتِج الفيلم المصري الياباني "جريمة على ضفاف النيل" من إخراج كو ناكاهيرا وبطولة إيشيهار يجيرو، بالإضافة إلى النجوم المصريين شادية وكمال الشناوي وحسن يوسف ومحمود المليجي. تدور القصة حول رجل أعمال ياباني يُتَّهم بالتورط في عصابة دولية ويسعى لإثبات براءته، فيسافر إلى بيروت ومصر، حيث يلتقي بالمطربة الشعبية "شادية" التي تساعده في كشف الحقيقة.

روعة السينما اليابانية

تعكس السينما اليابانية قيمًا وتقاليد راسخة في صميم المجتمع الياباني، مثل أهمية الأسرة والانضباط الذاتي. وتجسد أيضًا جماليات الفن الياباني التي تتجلى في مختلف جوانب الحياة، بدءًا من فن الرسم وصولًا إلى حركات التحية والأزياء المميزة. هذه العادات والفنون الشرقية الأصيلة تلاقي صدىً واسعًا لدى الجمهور المشرقي، بما في ذلك الجمهور العربي. مثالًا على ذلك، المسلسل التلفزيوني "أوشين"، الذي عُرِضَ قبل ثلاثة عقود وحقق نجاحًا ساحقًا في أكثر من 60 دولة، بما فيها مصر وإيران.

إن الإعجاب الشرقي بالفن السينمائي الياباني لا يقتصر فقط على القيم والعادات المشتركة، بل يمتد إلى الجماليات والخصوصية التي تتمتع بها السينما اليابانية، والتي تركت بصماتها على مختلف الثقافات. لقد أثرت السينما اليابانية في المشهد السينمائي العالمي، حتى في الدول الغربية. على سبيل المثال، تأثر العديد من المخرجين العالميين البارزين بالمخرج الياباني الراحل أكيرا كوروساوا، الذي يُلقَّب بإمبراطور السينما اليابانية، ومن بينهم مارتن سكورسيزي وستانلي كوبريك وستيفن سبيلبرغ. كوروساوا، الحائز على جائزة الأوسكار عن مجمل أعماله عام 1990، كان رائدًا في استخدام تقنية الحركة البطيئة وتطوير تقنيات استخدام كاميرتين أو ثلاث في التصوير. كما أخرج فيلم "رجال الساموراي السبعة" عام 1954، الذي لاقى استحسانًا عالميًا وقدم صورة نابضة بالحياة عن الثقافة الحربية اليابانية ممثلة في الساموراي وتقاليدهم العريقة. لم يلق هذا الفيلم استحسان هوليوود. مولت هيئات سوفيتية أفلامًا له، وقام أيضًا بإحياء التراث الأدبي الروسي سينمائيًا، فأخرج فيلم "الأبله" المقتبس عن رواية الأديب الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي.

قد يجهل الكثيرون أن هذا المخرج الياباني كان أيضًا رسامًا موهوبًا، ولم يكتفِ برسم المشاهد الأولية لأفلامه قبل التصوير، بل استخدمها كلوحات فنية مستقلة، وأقيمت العديد من المعارض لعرض هذه الرسومات في أوروبا. كان كوروساوا يتمتع بفلسفة فريدة في النظر إلى الفنون والسينما والتلفزيون، إذ يقول في مذكراته المنشورة تحت عنوان "عرق الضفدع" إن السينما تشبه الأرنب والتلفزيون يشبه السلحفاة، في إشارة إلى القدرات غير المستغلة للسينما، بينما يتفوق التلفزيون عليها رغم إمكاناته الفنية الأقل.

لا يمكن القول إن السينما العربية استفادت من كوروساوا بشكل مباشر، ولكنها ربما استفادت بشكل غير مباشر من خلال تأثيره العالمي الواسع. وإذا كان التعاون السينمائي العربي الياباني تعاونًا متقطعًا، فإنه يحمل في طياته إمكانات هائلة للنمو والازدهار، نظرًا للمساحات المشتركة من التاريخ السينمائي والعادات والتقاليد.

كان المفكر المصري الراحل أنور عبد الملك يتبنى نظرية "الانتصار للشرق"، ويدعو من خلالها إلى التوجه نحو دول آسيا بسبب الروابط الحضارية والثقافية والتاريخية المشتركة، وذلك في مقابل التوجه التقليدي نحو النموذج الغربي الأوروبي والأميركي. أعتقد أن نظريته أثبتت نجاحًا جزئيًا في مجال التعاون السينمائي العربي الياباني، وبالنظر إلى العوامل المذكورة سابقًا، فإن تعزيز النظرة العربية لليابان بعيون سينمائية سيسهم بشكل كبير في تطوير السينما العربية وفتح آفاق جديدة لها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة